الدين الإسلاميمعلومات متنوعة

كيف كان يتم احتساب الزكاة في العصور الإسلامية القديمة

الزكاة، الركن الثالث من أركان الإسلام، ليست مجرد عبادة، بل هي نظام اجتماعي واقتصادي يهدف إلى تحقيق العدالة والتكافل في المجتمع. منذ العصور الإسلامية الأولى، كانت الزكاة محورًا مهمًا في إدارة شؤون الدولة الإسلامية وتحقيق الرفاهية للمحتاجين. في هذا المقال، سنتناول كيف كان يتم احتساب الزكاة في العصور الإسلامية القديمة، وما هي الأسس التي اعتمد عليها المسلمون في تنظيم هذه الفريضة.

1. ما هي الزكاة؟

الزكاة في اللغة تعني النماء والطهارة، وفي الاصطلاح الشرعي، هي إخراج جزء محدد من مال المسلم وتوزيعه على مستحقيه.

قال الله تعالى: “خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” (سورة التوبة: 103).

فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة، واعتبرها الإسلام وسيلة لتطهير النفس من الشح والمال من البخل، ولتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع.

2. الزكاة في عهد النبي ﷺ

في عهد النبي ﷺ، كانت الزكاة تُجمع وتُوزع تحت إشراف الدولة. كان النبي ﷺ يرسل العمال لجمع الزكاة من مختلف المناطق. على سبيل المثال، بعث معاذ بن جبل إلى اليمن

وقال له: “فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم” (صحيح البخاري).

كان يتم حساب الزكاة بناءً على نصوص شرعية واضحة تحدد النصاب (الحد الأدنى للمال الواجب فيه الزكاة) ومقدارها لكل نوع من الأموال، مثل الذهب والفضة والزروع والثمار والأنعام.

3. كيف كان يتم تحديد النصاب؟

الذهب والفضة: النصاب في الذهب 20 مثقالًا (85 غرامًا تقريبًا)، وفي الفضة 200 درهم (595 غرامًا تقريبًا).

الزروع والثمار: إذا بلغت الكمية 5 أوسق (ما يعادل 653 كيلوغرامًا تقريبًا)، تُخرج الزكاة بنسبة 10% إذا كانت تُسقى بماء المطر، و5% إذا كانت تُسقى بالري الصناعي.

الأنعام: النصاب فيها يختلف حسب النوع. فمثلًا: في الإبل، يجب إخراج شاة إذا بلغت النصاب (5 جمال). في البقر، يجب إخراج تبيع (عجل صغير) إذا بلغت 30 بقرة. في الغنم، يجب إخراج شاة إذا بلغت النصاب (40 رأسًا).

4. الزكاة في عهد الخلفاء الراشدين

بعد وفاة النبي ﷺ، استمر نظام الزكاة بنفس الطريقة، حيث كانت تُجمع من الأغنياء وتُوزع على المستحقين.

في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، خاض الخليفة حرب الردة ضد من رفضوا دفع الزكاة، وقال

قولته المشهورة: “والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه”.

في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تم تنظيم عملية جمع الزكاة بشكل أكثر دقة، حيث كان يُعين عمالًا لجمع الزكاة ويحدد لهم تعليمات واضحة لتجنب الظلم.

5. أنواع الأموال التي تُفرض عليها الزكاة

في العصور الإسلامية القديمة، شملت الزكاة أنواعًا متعددة من الأموال:

الأموال النقدية: الذهب والفضة، وكانت تُحسب على أساس النصاب المذكور أعلاه.

الثروات الزراعية: مثل الحبوب والثمار، وكانت تؤخذ مباشرة بعد الحصاد.

الثروة الحيوانية: كالإبل والبقر والغنم، بناءً على نصوص محددة في السنة النبوية.

التجارة: يتم تقييم البضائع التجارية في نهاية العام الهجري، وإخراج زكاتها بنسبة 2.5%.

6. كيفية جمع الزكاة وتوزيعها

في العصور الإسلامية القديمة، كانت الدولة هي المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها على الفئات الثمانية المذكورة في

القرآن الكريم: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل” (سورة التوبة: 60).

العمال الذين كانوا يجمعون الزكاة كانوا يتبعون قواعد صارمة:

عدم أخذ أفضل المال أو أسوأه. الكتابة الدقيقة لما تم جمعه لضمان الشفافية.

توزيع المال مباشرة على المستحقين في نفس المنطقة.

7. أدوات قياس الزكاة في الزراعة والتجارة

في الزراعة، كان الفلاحون يستخدمون الموازين والمكايل لتحديد الكمية.

أما التجار، فكانوا يقيّمون بضائعهم بالدراهم والدنانير.

في حالة وجود خلاف على القيمة، كان يُرجع الأمر إلى القضاة أو العلماء لحسم القضية.

قال النبي ﷺ: “من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة” (صحيح مسلم).

8. الزكاة وسد حاجة الفقراء

في بعض الفترات من التاريخ الإسلامي، ساهم نظام الزكاة في القضاء على الفقر بشكل كبير. في عهد عمر بن عبد العزيز، قيل إن الزكاة وُزعت حتى لم يعد هناك فقراء يحتاجونها. قال الشاعر واصفًا عدالة الزكاة:

أموالنا لله حق ثابت *** ترقى به الأرواح لا الأجساد

إن الزكاة تطهر الأموال كي * يبقى الفقير سعيدًا في البلاد.

9. دور الزكاة في بناء المجتمع الإسلامي

الزكاة لم تكن مجرد فريضة دينية، بل كانت أداة اقتصادية لبناء مجتمع متماسك.

من خلال الزكاة: تم تمويل بناء المدارس والمساجد. ساهمت في تجهيز الجيوش للدفاع عن الدولة. وُزعت على الأيتام والأرامل والمحتاجين لتخفيف معاناتهم.

10. نظام الزكاة بين الماضي والحاضر

رغم التغيرات التي طرأت على أنظمة إدارة الأموال في العصر الحديث، إلا أن مبادئ الزكاة القديمة ما زالت تُطبق في العديد من الدول والمؤسسات الإسلامية. المؤسسات الخيرية اليوم تعتمد بشكل كبير على أموال الزكاة لتحقيق أهدافها الاجتماعية.

خاتمة

الزكاة في العصور الإسلامية القديمة لم تكن مجرد عبادة فردية، بل نظام شامل حقق التكافل الاجتماعي والاقتصادي. بفضل التنظيم الدقيق لهذه الفريضة، تمكن المسلمون من بناء مجتمع قوي ومتماسك. تعلمنا من السلف الصالح أهمية العدل في جمع الزكاة وتوزيعها، وعلينا اليوم أن نستفيد من هذه التجربة الغنية لتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية.

المصادر:

صحيح البخاري ومسلم.

كتاب “فقه الزكاة” للدكتور يوسف القرضاوي.

تفسير ابن كثير.

كتاب “تاريخ الإسلام” للذهبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى